فصل: فصل: الدين يمنع الزكاة إذا كان يستغرق النصاب أو ينقصه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


باب زكاة الدين والصدقة

الصدقة‏:‏ هي الصداق وجمعها صدقات‏,‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتوا النساء صدقاتهن نحلة‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 4‏]‏‏.‏ وهي من جملة الديون وحكمها حكمها وإنما أفردها بالذكر لاشتهارها باسم خاص‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ وإذا كان معه مائتا درهم وعليه دين‏,‏ فلا زكاة عليه وجملة ذلك أن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة رواية واحدة وهي الأثمان وعروض التجارة وبه قال عطاء‏,‏ وسليمان بن يسار وميمون بن مهران والحسن‏,‏ والنخعي والليث ومالك‏,‏ والثوري والأوزاعي وإسحاق‏,‏ وأبو ثور وأصحاب الرأي وقال ربيعة وحماد بن أبى سليمان‏,‏ والشافعي في جديد قوليه‏:‏ لا يمنع الزكاة لأنه حر مسلم ملك نصابا حولا فوجبت عليه الزكاة كمن لا دين عليه ولنا ما روى أبو عبيد في ‏"‏ الأموال ‏"‏‏:‏ حدثنا إبراهيم بن سعد‏,‏ عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد قال‏:‏ سمعت عثمان بن عفان يقول‏:‏ هذا شهر زكاتكم‏,‏ فمن كان عليه دين فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم وفي رواية‏:‏ فمن كان عليه دين فليقض دينه وليزك بقية ماله قال ذلك بمحضر من الصحابة‏,‏ فلم ينكروه فدل على اتفاقهم عليه وروى أصحاب مالك عن عمير بن عمران‏,‏ عن شجاع عن نافع عن ابن عمر‏,‏ قال‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏إذا كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه‏)‏ وهذا نص ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم‏,‏ فأردها في فقرائكم‏)‏ فدل على أنها إنما تجب على الأغنياء ولا تدفع إلا إلى الفقراء وهذا ممن يحل له أخذ الزكاة فيكون فقيرا‏,‏ فلا تجب عليه الزكاة لأنها لا تجب إلا على الأغنياء للخبر ولقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا صدقة إلا عن ظهر غنى‏)‏ ويخالف من لا دين له عليه‏,‏ فإنه غنى يملك نصابا يحقق هذا أن الزكاة إنما وجبت مواساة للفقراء وشكرا لنعمة الغنى‏,‏ والمدين محتاج إلى قضاء دينه كحاجة الفقير أو أشد وليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك لحاجة غيره ولا حصل له من الغنى ما يقتضي الشكر بالإخراج‏,‏ وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم- ‏:‏ ‏(‏ابدأ بنفسك ثم بمن تعول‏)‏ ‏.‏

فصل‏:‏

فأما الأموال الظاهرة وهي السائمة والحبوب‏,‏ والثمار فروى عن أحمد أن الدين يمنع الزكاة أيضا فيها لما ذكرناه في الأموال الباطنة قال أحمد‏,‏ في رواية إسحاق بن إبراهيم‏:‏ يبتدئ بالدين فيقضيه ثم ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النفقة فيزكى ما بقي‏,‏ ولا يكون على أحد دينه أكثر من ماله صدقة في إبل‏,‏ أو بقر أو غنم أو زرع‏,‏ ولا زكاة وهذا قول عطاء والحسن وسليمان‏,‏ وميمون بن مهران والنخعي والثوري‏,‏ والليث وإسحاق لعموم ما ذكرنا وروي‏,‏ أنه لا يمنع الزكاة فيها وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي وروى عن أحمد أنه قال‏:‏ قد اختلف ابن عمر وابن عباس‏,‏ فقال ابن عمر‏:‏ يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ويزكى ما بقي وقال الآخر‏:‏ يخرج ما استدان على ثمرته ويزكى ما بقي وإليه أذهب أن لا يزكى ما أنفق على ثمرته خاصة‏,‏ ويزكى ما بقي لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلا أو بقرا أو غنما‏,‏ لم يسأل أي شيء على صاحبها من الدين وليس المال هكذا فعلى هذه الرواية لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة‏,‏ إلا في الزرع والثمار فيما استدانه للإنفاق عليها خاصة وهذا ظاهر قول الخرقي لأنه قال في الخراج‏:‏ يخرجه‏,‏ ثم يزكى ما بقي جعله كالدين على الزرع وقال في الماشية المرهونة‏:‏ ‏(‏ يؤدى منها إذا لم يكن له مال يؤدى عنها ‏)‏ فأوجب الزكاة فيها مع الدين وقال أبو حنيفة‏:‏ الدين الذي تتوجه فيه المطالبة يمنع في سائر الأموال إلا الزرع والثمار بناء منه على أن الواجب فيها ليس بصدقة والفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة أن تعلق الزكاة بالظاهرة آكد‏,‏ لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها ولهذا يشرع إرسال من يأخذ صدقتها من أربابها ‏(‏وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يبعث السعاة فيأخذون الصدقة من أربابها‏,‏‏)‏ وكذلك الخلفاء بعده وعلى منعها قاتلهم أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ ولم يأت عنه أنهم استكرهوا أحدا على صدقة الصامت ولا طالبوه بها‏,‏ إلا أن يأتي بها طوعا ولأن السعاة يأخذون زكاة ما يجدون ولا يسألون عما على صاحبها من الدين‏,‏ فدل على أنه لا يمنع زكاتها ولأن تعلق أطماع الفقراء بها أكثر والحاجة إلى حفظها أوفر‏,‏ فتكون الزكاة فيها أوكد‏.‏

فصل‏:‏

وإنما يمنع الدين الزكاة إذا كان يستغرق النصاب أو ينقصه ولا يجد ما يقضيه به سوى النصاب‏,‏ أو ما لا يستغنى عنه مثل أن يكون له عشرون مثقالا وعليه مثقال أو أكثر أو أقل‏,‏ مما ينقص به النصاب إذا قضاه به ولا يجد قضاء له من غير النصاب فإن كان له ثلاثون مثقالا‏,‏ وعليه عشرة فعليه زكاة العشرين وإن كان عليه أكثر من عشرة فلا زكاة عليه وإن كان عليه خمسة‏,‏ فعليه زكاة خمسة وعشرين ولو أن له مائة من الغنم وعليه ما يقابل ستين فعليه زكاة الأربعين فإن كان عليه ما يقابل إحدى وستين‏,‏ فلا زكاة عليه لأنه ينقص النصاب وإن كان له مالان من جنسين وعليه دين جعله في مقابلة ما يقضي منه‏,‏ فلو كان له خمس من الإبل ومائتا درهم فإن كانت عليه سلما أو دية ونحو ذلك مما يقضي بالإبل‏,‏ جعلت الدين في مقابلتها ووجبت عليه زكاة الدراهم وإن كان أتلفها أو غصبها جعلت قيمتها في مقابلة الدراهم لأنها تقضي منها وإن كانت قرضا‏,‏ خرج على الوجهين فيما يقضي منه فإن كانت إذا جعلناها في مقابلة أحد المالين‏,‏ فضلت منها فضلة تنقص النصاب الآخر وإذا جعلناها في مقابلة الآخر لم يفضل منها شيء‏,‏ كرجل له خمس من الإبل ومائتا درهم وعليه ست من الإبل قيمتها مائتا درهم فإذا جعلناها في مقابلة المائتين لم يفضل من الدين شيء‏,‏ نقص نصاب السائمة وإذا جعلناها في مقابلة الإبل فضل منها بعير ينقص نصاب الدراهم‏,‏ أو كانت بالعكس مثل أن يكون عليه مائتان وخمسون درهما وله من الإبل خمس أو أكثر تساوي الدين‏,‏ أو تفضل عليه جعلنا الدين في مقابلة الإبل ها هنا وفي مقابلة الدراهم في الصورة الأولى لأن له من المال ما يقضي به الدين سوى النصاب وكذلك لو كان عليه مائة درهم‏,‏ وله مائتا درهم وتسع من الإبل فإذا جعلناها في مقابلة الإبل لم ينقص نصابها لكون الأربع الزائدة عنه تساوي المائة وأكثر منها وإن جعلناه في مقابلة الدراهم سقطت الزكاة منها‏,‏ فجعلناها في مقابلة الإبل كما ذكرنا في التي قبلها ولأن ذلك أحظ للفقراء وذكر القاضي نحو هذا‏,‏ فإنه قال‏:‏ إذا كان النصابان زكويين جعلت الدين في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته وإن كان من غير جنس الدين فإن كان أحد المالين لا زكاة فيه‏,‏ والآخر فيه الزكاة كرجل عليه مائتا درهم وله مائتا درهم‏,‏ وعروض للقنية تساوي مائتين فقال القاضي‏:‏ يجعل الدين في مقابلة العروض وهذا مذهب مالك وأبي عبيد‏,‏ قال أصحاب الشافعي‏:‏ وهو مقتضى قوله لأنه مالك لمائتين زائدة عن مبلغ دينه فوجبت عليه زكاتها كما لو كان جميع ماله جنسا واحدا وظاهر كلام أحمد‏,‏ - رحمه الله- أنه يجعل الدين في مقابلة ما يقضي منه فإنه قال في رجل عنده ألف وعليه ألف وله عروض بألف‏:‏ إن كانت العروض للتجارة زكاها‏,‏ وإن كانت لغير التجارة فليس عليه شيء وهذا مذهب أبي حنيفة ويحكى عن الليث بن سعد لأن الدين يقضى من جنسه عند التشاح فجعل الدين في مقابلته أولى‏,‏ كما لو كان النصابان زكويين ويحتمل أن يحمل كلام أحمد ها هنا على ما إذا كان العرض تتعلق به حاجته الأصلية ولم يكن فاضلا عن حاجته فلا يلزمه صرفه في وفاء الدين لأن الحاجة أهم‏,‏ ولذلك لم تجب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال ويكون قول القاضي محمولا على من كان العرض فاضلا عن حاجته وهذا أحسن لأنه في هذه الحال مالك لنصاب فاضل عن حاجته وقضاء دينه‏,‏ فلزمته زكاته كما لو لم يكن عليه دين فأما إن كان عنده نصابان زكويان وعليه دين من غير جنسهما‏,‏ ولا يقضي من أحدهما فإنك تجعله في مقابلة ما الحظ للمساكين في جعله في مقابلته‏.‏